فصل: 76 الآية الخامسة عشرة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثالث: قوله في سورة الأعراف82: {إلا أن قالوا أخرجوهم} وقال في سورة النمل 56: {إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط} فأضمر في الأول واظهر في الثاني؟
والرابع: قوله في سورة الأعراف 83: {إلا امرأته كانت من الغابرين} وفي سورة النمل 57: {إلا امرأته قدرناه من الغابرين}.
والخامس: قوله في سورة الأعراف 80: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} وقال في سورة النمل 54: {أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}.
والسادس: اختلاف المحكيات، قال في سورة الأعراف 82 {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم} وفي النمل 56: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط} وفي العنكبوت 29 {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين}.
فأما المسألة الأولى، وهي مجيء {بل أنتم قوم مسرفون} في الأعراف، و{بل أنتم قوم تجهلون} في سورة النمل، فالمسرف مجهل بإسرافه، والجاهل مسرف بأفعاله، إذ الإسراف مجاوزة الحد الواجب إلى الفساد، فيجوز أن يكون لوط عليه السلام لما كانت له مع قومه مقامات قال في بعضها هذا اللفظ، وفي بعضها اللفظ الآخر، ولم يناف أحدهما الآخر.
ثم اختصاص مسرفين بسورة الأعراف، فلأن الآيات التي قبلها فواصلها أسماء جمعت هذا الجمع، من حيث قال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض} الأعراف: 74 فكانت فاصلة هذه الآية: {مفسدين} وفاصلة ما بعدها: {مؤمنون} وما بعدها: {كافرون} وبعدها: {المرسلين} وبعدها: {جاثمين} وبعدها: {الناصحين}، وبعد ذلك إذ انتهى إلى هذه الآية {العالمين} فكان الاسم أحق بالوضع في هذا المكان لتتساوى الفواصل، وفي سورة النمل تقدم الآية التي فاصلتها: {بل أنتم قوم تجهلون} النمل: 55 قوله تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون* وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون* ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} النمل: 52-54 فلما تناسقت هذه الأفعال في هذه الفواصل التي قبل هذه الفواصل التي قبل هذه الفاصلة كان بناؤها على ما قبلها بلفظ الفعل أولى بها، فجاء: {تجهلون} في هذا الموضع و{مسرفون} في الأول لهذا من القصد والله تعالى أعلم.
وأما المسألة الثانية في اختصاص الواو بسورة الأعراف في قوله: {وما كان جواب قومه}، والفاء في سورة النمل: {فما كان جواب قومه} فلأن قبلها {مسرفون} وهو اسم وإن أدى معنى الفعل، و{تجهلون} صريح لفظ الفعل والأجوبة التي تتعلق بالأول المبتدأ به، وإنما أصلها ف الأفعال التي تقع وتوجد لوجود غيرها، والواو والفاء جائزتان في الموضعين إلا انه يختار حيث جاء الأصل الذي وضعت الفاء فيه لتوجب ما بعدها لوجود ما قبلها، وهو الفعل، واختيرت الواو حيث كان الملفوظ به الاسم ليفرق بين الموضعين، فيختار لكل ما هو أليق به، إذ ليس الاسم أصلا فيما جعلت الفاء للجواب فيه.
وأما المسألة الثالثة، وهي إضمار آل لوط في الأعراف حيث قال: {إلا أن قالوا أخرجوهم} وإظهاره في سورة النمل لما قال: {أخرجوا آل لوط من قريتكم} فالجواب عنه أن يقال: إن السورتين ميتان وموجب هذا الإضمار والإظهار ان يكون ما جاء فيه الإظهار نازلا قبل ما جاء فيه من الإضمار، فلما أظهر في الآية المنزلة قبل اعتمد في القصة التي هي عند ذكرهم على الإضمار الذ أصله أن يكون بعد تقدم الذكر.
وأما المسألة الرابهة وهي {إلا امرأته كانت من الغابرين} في سورة الأعراف، وفي سورة النمل: {إلا امرأته قدرناها من الغابرين} فالجواب عنها ما يدل عليه الجواب عن المسألة الثالثة، وهو أن هذه القصة في سورة النمل نازلة قبل القصة التي في سورة الأعراف بدليل الإضمار والإظهار، وإذا بنينا على هذا فإن قوله: {إلا امرأته قدرناها من الغابرين} أي: كتبنا عليها أن تكون من الباقين في القرية الهالكين مع أهلها، فلما ذكر في الآية المنزلة أولا أحال في الثانية على الأولى في البيان فقال: {كانت من الغابرين} أي: في تقدير الله الذي قدره لها، وأخبر فيما قبل عن حكمه عليها.
وأما المسألة الخامسة فهي قوله تعالى في سورة الأعراف: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} وقال في سورة النمل: {أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} فالجواب عنها على ما بينا، وهو أن ذكر قصة لوط وقومه نزل القرآن به قبل ذكره في سورة الأعراف، وتبكيتهم على الفاحشة، وتعظيم أمرها، وفحشهم فيها قبل الإخبار عن سبقهم إليها، فكان قوله: {وأنتم تبصرون} أي: لا تتكاتمون بها، لأنهم كانوا في مجالسهم لا يتحاشون عنها، وقيل: {وأنتم تبصرون} فحشها وشناعة قبحها، وهذه صفة ترجع إلى الفعلة نفسها، ثم إنهم لم يسبقوا إليها، كما قيل في الخبر: نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط وهذا وصف حقه أي يجيء بعد توفيه الفاحشة حق وصفها في نفوسها، فأخر ذكره إلى حكاية الثانية لهذه القصة، وقد خاطبهم لوط عليه السلام بذلك وأكثر منه في مقامات إنكاره عليهم ودعائهم لهم.
وأما المسألة السادسة فعن اختلاف المحكيات، إذ كان في سورتي الأعراف والنمل: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم} و{أخرجوا آل لوط} وقال في سورة العنكبوت: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا إئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} والجواب عن ذلك أن هؤلاء لما كرر عليهم لوط عليه السلام الإنكار وأعاد عليهم الإعذار والإنذار، قال في موقف ما حكاه الله تعالى عنه، فكان جوابهم له في ذلك الموقف ما ذكره الله تعالى. والجواب الثاني وإن خالف الجواب الأول فهو من جهتهم، وإذا خالفوا بين الأجوبة تناولت الحكاية مختلفها، على لو كان كل ذلك في موقف واحد لكان جائزا أن يكون جواب طائفة منهم ما ذكر أولا، وجواب طائفة أخرى ما ذكر ثانيا، وكل من الطائفتين قومه.
فإذا قيل: {وما كان جواب قومه} أ بعض قومه، فإذا كان قاله بعض ورضي به الآخرون، فكلهم أو في حكم القائلين، فلا يقدح ما جاء من اختلاف أجوبتهم في الآيات التي نزلت في هذه القصة على ما يظنه المعترض، وإنما يتعلق بمثله من جهل للأنبياء عليهم السلام موافقها، ولم يعرف اللغات ومصارفها، وهذا كثير في قصة موسى عليه السلام مع فرعون وحكايتها في هذه السور وغيرها مما نقف عليه إن شاء الله.

.76 الآية الخامسة عشرة منها:

تشتمل على ثلاث مسائل:
قوله تعالى: {نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرون} الأعراف: 101.
وقال في سورة يونس 74: {ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين}.
للسائل ان يسأل عن اختلاف ما اختلف في الآيتين المتشابهتين فلم سقط {به} في سورة الأعراف دون سورة يونس؟ ولم قال: {يطبع الله} في الأولى، و{نطبع} في الثانية؟ ولم جعل الطبع على قلوب الكافرين في الأعراف، وعلى قلوب المعتدين في يونس؟
والجواب عن ذلك: أن سقوط {به} من قوله: {كذبوا} هو للبناء على ما جعل صدرا لهذه الآيات التي نزلت في الترغيب والترهيب، وهو: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} الأعراف: 96 فقوله: {ولكن كذبوا} لم يذكر له مفعول، وأنساقت الآيات بعد التحذير المتوالي بقوله: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا} الأعراف: 97 ثم ختمت بقوله: {تلك القرى نقص عليك مكن أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} الأعراف: 101.
فالمكذبون هنا هم المكذبون في قوله: {ولكن كذبوا} فدل على ذلك بأن أجرى مجراه في حذف ما يتعدى إليه كذب وما يتعدى إليه كذب إذا كان غير مميز يتعدى إليه بالباء، كقوله: {كذبوا بآياتنا} يونس: 73. وإذا كان من المميزين فإنه يتعدى إليه بغير حرف إضافة نحو كذبه كقوله تعالى: {فكذبوا رسلي} سبأ: 45 فالمحذوف في هذا المكان هو المفعول به، وهو الذي يتعدى إليه الفعل بالباء.
وأما قوله تعالى في سورة يونس 74: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} وإثبات المفعول به هنا فلأن قبله نوح عليه السلام، وهي {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله}. يونس: 71. ثم بعده: {فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك} ثم بعده: {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} يونس: 73 فجاءت كذب أمام القصة المبنية على القصة التي قبلها متعدية إلى ما وجب لها في موضعها، فروعي تعديها، فلما وقعت الإشارة في قوله: {ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوه من قبل} إلى تكذيب من كذب من قوم نوح، اختير تعدية الفعل المكرر على الفعل الأول، ليعلم أن هذا الفعل معني به ما تقدم، فلما جاء ذلك متعديا جاء هذا مثله. ولما لم يجيء في الآية التي في سورة الأعراف متعديا لم يجيء فيما بني عليه إلا محذوف المفعول به.
وأما الجواب عن قوله: {كذلك يطبع الله} الأعراف: 101 و{كذلك نطبع} يونس: 74 فلأن الآية في سورة الأعراف مبنية على ما تقدمها من الآيات، وهي تنتقل من الإضمار إلى الإظهار، ومن الإظهار إلى الإضمار، أعني في أخبار الله عز وجل عن نفسه لقوله: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا} الأعراف: 97. و{أن يأتيهم بأسنا ضحى} الأعراف: 97 وقوله بعده: {أفأمنوا مكر الله} الأعراف: 99 فأظهر: ولم يقل: أفأمنوا مكرنا.
فلما وقع هذا الإخبار في هذا المكان، ثم جاء بعده: {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو شاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم} الأعراف: 100. فأجرى الفعل على إضمار فاعله، ثم عاد إلى ذكر الطبع، كان إجراؤه على إظهار الفاعل أشبه بما بنيت عليه الآيات المتقدمة من الانتقال من الإضمار إلى الإظهار المختار استعماله في المكان.
وأما الآية التي في سورة يونس وهي: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} يونس: 74. فلأن ما قبلها جار على حد واحد وسنن لاحب وهو إضمار الفاعل من حيث في قصة نوح قبلهن وهي من مبتدأ العشر {واتل عليهم نبأ نوح} يونس: 71 إلى أن قال: {فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين* ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم} فقال بعده: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} يونس: 73-74.
ولم يتقدمه ما يخالفه هذا المنهج، ولم يبن على الطريقين فاتبع الأول وحمل عليه في إضمار الفاعل فيه.
والمسألة الثالثة في هذه الآية قوله في سورة الأعراف 101: {على قلوب الكافرين} وفي سورة يونس 74: {على قلوب المعتدين} فالجواب عنها: أن الآيات التي تقدمت في سورة الأعراف تضمنت وصف الكفاء، لأنه لا يحذر عقاب الله ومجيئه بياتا أو ضحى إلا الكفار، ثم إطلاق الخاسرين لا يكون إلا في الكافرين فلما وقع التصريح بصفات الكفر صرح به عند ذكر الطبع، ولما كانت الآية في سورة يونس قد تقدمها في وصف الكفار ما كان كالكناية عنهم فقال: {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} يونس: 73. وما كل منذر كافر، كنى عن الكفار بعده عند ذكر الطبع بالمعتدين وما كل معتد كافر، فمخالفة كل واحدة من الآيتين للأخرى إنما هي لموافقة ما قبل كل واحدة منهما من طرح الكلام وقصد الالتئام.

.77 الآية السادسة عشرة منها:

قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: {قال إن كنت جئت بآية فات بها إن كنت من الصادقين* فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين* ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين* قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم* يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون* قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين* يأتوك بكل ساحر عليم* وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين* قال نعم وإنكم لمن المقربين* قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين}. الأعراف: 106-115.